فصل: الشاهد التاسع والثلاثون بعد الأربعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.فتح صاحب دمشق بانياس.

كان بوري بن طغركين صاحب دمشق لما توفي سنة ست وعشرين وخمسمائة وولي مكانه ابنه شمس الملوك إسمعيل فاستضعفه الإفرنج وتعرضوا لنقض الهدنة ودخل بعض تجار المسلمين إلى سروب فأخذوا أموالهم وراسلهم شمس الملوك في ردها عليهم فلم يفعلوا فتجهز وسار إلى بانياس في صفر سنة سبع وعشرين فنازلها وشدد حصارها ونقب المسلمون سورها وملكوها عنوة واستلحموا الإفرنج بها واعتصم فلهم بالقلعة حتى استأمنوا بعد يومين وكان الإفرنج قد جمعوا لمدافعة شمس الملوك فجاءهم خبر فتحها فأقصروا.

.استيلاء شمس الملوك على الشقيف.

ثم سار شمس الملوك إسمعيل صاحب دمشق إلى شقيف بيروت وهو في الجبل المطل على بيروت وصيدا وكان بيد الضحاك بن جندل رئيس وادي التيم وهو ممتنع به وقد تحاماه المسلمون والإفرنج وهو يحتمي من كل منهما بالآخر فسار إليه شمس الملوك وملكه في المحرم سنة ثمان وعشرين وعظم ذلك على الإفرنج وخافوا شمس الملوك فساروا إلى بلد حوران وعاثوا في جهاتها ونهض شمس الملوك ببعض عساكره وجمر الباقي قبالة الإفرنج وقصد طبرية والناصرة وعكا فاكتسح نواحيها وجاء الخبر إلى الإفرنج فاجفلوا إلى بلادهم وعظم عليهم خرابها وراسلوا شمس الملوك في تجديد الهدنة فجددها لهم انتهى والله أعلم.

.استيلاء الإفرنج على جزيرة جربة من أفريقية.

كانت جزيرة جربة من أعمال أفريقية ما بين طرابلس وقابس وكان أهلها من قبائل البربر قد إستبدوا بجزيرتهم عندما دخل العرب الهلاليون أفريقية ومزقوا ملك صنهاجة بها وقارن ذلك استفحال ملك الإفرنج برومة وما إليها من البلاد الشمالية وتطاولوا إلى ملك بلاد المسلمين فسار ملكهم بردويل فيمن معه من زعمائهم وأقماصهم إلى الشام فملكوا مدنه وحصونه كما ذكرناه آنفا وكان من ملوكهم القمص رجار بن نيغر بن خميرة وكان كرسيه مدينة ميلكوا مقابل جزيرة صقلية ولما ضعف أمر المسلمين بها وانقرضت دولة بني أبي الحسين الكلبي منها سما رجار هذا إلى ملكها وأغراه المتغلبون بها على بعض نواحيها فأجاز إليها عساكره في الأسطول في سبيل التضريب بينهم ثم ملكها من أيديهم معقلا معقلا إلى أن كان آخرها فتخاطر ابنه وما زرعة من يد عبد الله بن الجواس أحد الثوار بها فملكها من يده صلحا سنة أربع وستين وأربعمائة وانقطعت كلمة الإسلام بها ثم مات رجار سنة أربع وتسعين فولي ابنه رجار مكانه وطالت أيامه واستفحل ملكه وذلك عندما هبت ريح الإفرنج بالشام وجاسوا خلالها وصاروا يتغلبون على ما يقدرون عليه من بلاد المسلمين وكان رجار يتعاهد سواحل أفريقية بالغزو فبعث سنة ثلاث وخمسين أسطول صقلية إلى جزيرة جربة وقد تقلص عنها ظل الدولة الصنهاجية فأحاطوا بها وإشتد القتال ثم اقتحموا الجزيرة عليهم عنوة وغنموا وسبوا واستأمن من الباقون وأقرهم الإفرنج في جزيرتهم على جزية وملكوا عليهم أمرهم والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده.

.فتح صاحب دمشق بعض حصون الإفرنج.

ثم بعث شمس الملوك إسمعيل صاحب دمشق عساكره مع الأمير خزواش سنة إحدى وثلاثين إلى طرابلس الشام ومعه جمع كثير من التركمان والمتطوعة وسار إليه القمص صاحب طرابلس فقاتلوه وهزموه وأثخنوا في عساكره وأحجزه بطرابلس وعاثوا في أعماله وفتحوا حصن وادي ابن الأحمر من حصونه عنوة واستباحوه واستحلموه من فيه من الإفرنج ثم سار الإفرنج سنة خمس وثلاثين إلى عسقلان وأغاروا في نواحيها وخرج إليهم عسكر مصر الذين بها فهزموا الإفرنج وظفروا بهم وعادوا منهزمين وكفى الله شرهم بمنه وكرمه.

.استيلاء الإفرنج على طرابلس الغرب.

كان أهل طرابلس الغرب لما أنحل نظام الدولة الصنهاجية بأفريقية وتقلص ظلها عنهم قد استبدوا بأنفسهم وكان بالمهدية آخر الملوك من بني باديس وهو الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز فاستبد لعهده في طرابلس أبو يحيى بن مطروح ورفضوا دعوة الحسن وقومه وذلك عندما تكالب الإفرنج على الجهات فطمع رجار في ملكها وبعث أسطوله في البحر فنازلها آخر سنة سبع وثلاثين وخمسمائة فنقبوا سورها وإستنجد أهلها بالعرب فأنجدوهم وخرجوا إلى الإفرنج فهزموهم وغنموا أسلحتهم ودوابهم ورجع الإفرنج إلى صقلية فتجهزوا إلى المغرب وطرقوا جيجيل من سواحل بجاية وهرب أهلها إلى الجبل ودخلوها فنهبوها وخربوا القصر الذي بناه يحيى بن العزيز بن حماد ويسمى النزهة ورجعوا إلى بلادهم ثم بعث رجار أسطوله إلى طرابلس سنة إحدى وأربعين فأرسى عليها ونزل المقاتلة وأحاطوا بها برا وبحرا وقاتلوها ثلاثا وكان أهل البلد قد اختلفوا قبل وصول الإفرنج وأخرجوا بني مطروح وولوا عليهم رجلا من أمراء لمتونة قام حاجا في قومه فولوه أمرهم فلما شغل أهل البلد بقتال الإفرنج اجتمعت شيعة بني مطروح وأدخلوهم للبلد ووقع بينهم القتال فلما شعر الإفرنج بأمرهم بادروا إلى الأسوار فنصبوا عليها السلالم وتسنموها وفتحوا البلد عنوة وأفحشوا في القتل والسبي والنهب ونجا كثير من أهلها إلى البربر والعرب في نواحيها ثم رفعوا السيف ونادوا بالأمان فتراجع المسلمون إلى البلد وأقروهم على الجزية وأقاموا بها ستة أشهر حتى أصلحوا أسوارها وفنادقها وولوا عليها ابن مطروح وأخذوا رهنه على الطاعة ونادوا في صقلية بالمسير إلى طرابلس فسار إليها الناس وحسنت عمارتها.